مؤتمر هرتسيليا- إسرائيل بعد 7 أكتوبر ومستقبل المفاجآت الاستراتيجية

المؤلف: محمود يزبك10.24.2025
مؤتمر هرتسيليا- إسرائيل بعد 7 أكتوبر ومستقبل المفاجآت الاستراتيجية

في رحاب جامعة رايخمان بهرتسيليا، الصرح الأكاديمي الخاص الأوحد في إسرائيل، ينتظم سنويًا مؤتمر سياسي وأكاديمي رفيع المستوى. يستقطب هذا المحفل نخبة من الساسة والأكاديميين الإسرائيليين البارزين، فضلًا عن ثلة من الضيوف الأجانب الذين تربطهم صلة وثيقة بالقضايا والموضوعات المدرجة على جدول أعمال المؤتمر.

في الفترة الممتدة بين 24 و25 يونيو/حزيران 2024، انعقد المؤتمر الحادي والعشرون تحت عنوان لافت: "على طريق المفاجآت الإستراتيجية". وكما يوحي العنوان، تركزت الندوات والمحاضرات السياسية والأكاديمية، بشكل أساسي، على استشراف مستقبل إسرائيل في ضوء الإخفاقات التي شهدتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تلاها من تداعيات وأحداث جسام حتى موعد انعقاد المؤتمر.

إلى جانب ذلك، دارت النقاشات المحتدمة حول المرحلة المقبلة، مع التركيز بشكل خاص على فهم الإشكاليات والمعضلات التي تواجهها إسرائيل نتيجة لتدهور علاقاتها الخارجية، والتوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة الأميركية. كما تم التطرق إلى احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، واحتواء الأزمة المتفاقمة مع حزب الله، أو الانزلاق نحو فتح جبهة قتال واسعة النطاق قد تفضي إلى حرب إقليمية مدمرة تشارك فيها أطراف متعددة.

أهمية إعلامية

حظي المؤتمر الحادي والعشرون – على غرار العديد من المؤتمرات السابقة – بأهمية إعلامية واسعة النطاق، وذلك بفضل مشاركة أصحاب القرار أو المقربين منهم في فعالياته المتنوعة. وعلى مدار يومي انعقاد المؤتمر، قدمت بعض المحاضرات والنقاشات مادة إخبارية ثرية وغنية بالمعلومات، تناولتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية على نطاق واسع؛ وذلك لما لأقوال المتحدثين من أهمية بالغة في فهم وتحليل المشهد العام لجبهات القتال، حاضرًا ومستقبلًا.

ومن بين المحاور الهامة التي تم تناولها، برز المحور العسكري والسياسي الذي استكشف إمكانية حدوث مفاجآت مستقبلية مماثلة لمفاجأة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. كما تم التركيز على محور العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة، وطرح سؤال جوهري للنقاش: هل تستطيع إسرائيل أن تعيش في معزل عن الدعم الأمريكي؟ وتلاه محور الملف النووي الإيراني، النظام العالمي، النظام الإقليمي وموقع إسرائيل، وملف اللاسامية، والمخطوفين والأمن الداخلي، وغيرها من القضايا الملحة.

الجدير بالذكر أن قضية الاحتلال والاستيطان غابت بشكل ملحوظ عن جدول أعمال المؤتمر. ويعكس غياب هذا الملف المحوري استراتيجية الهروب الإسرائيلية من مواجهة جوهر الصراع، وتجنب معالجة الأكاديميا والسياسة للقضية التي تسببت في تناقضات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، غاب عن النقاش أي صوت يساري أو قريب من اليسار يطرح قضية إنهاء الاحتلال باعتبارها القضية الأهم والأولى بالنسبة لإسرائيل، والتي أدت بدورها إلى عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

اكتسب حديث غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو مجلس الحرب المستقيل، أهمية خاصة، حيث كان في قلب دائرة القرار خلال فترة وجود حكومة الطوارئ في إسرائيل. وبعد أن استعرض أسباب عدم إتمام صفقة التبادل مع حماس، مرجعًا ذلك إلى مواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية الرافضة لإنهاء الحرب والذي يغير مواقفه تبعًا لرغبات سامعيه ومصالحه السياسية الضيقة، انتقل للحديث عن المستقبل الإستراتيجي لإسرائيل، موجهًا سؤالًا حاسمًا للسياسيين الإسرائيليين: "هل تقبلون أو ترفضون مبادرة السلام العربية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي والإسرائيلي – الفلسطيني؟".

ويرى آيزنكوت أن هذا السؤال الجوهري يجب أن يشغل بال كل إسرائيلي وكل سياسي إسرائيلي، لأنه إذا ما قبلت إسرائيل بهذه المبادرة، فإن ذلك سيغير وجه المنطقة بأسرها، ويدشن مسيرة إستراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تشارك فيها إسرائيل بدور محوري.

خطوة جريئة

في خطوة جريئة وغير مألوفة، وضع آيزنكوت المرآة أمام مجتمع يتجه بشكل متزايد نحو اليمين وحكومات أكثر تطرفًا تتبنى سياسة العدوان والاحتلال والاستيطان بدلاً من تبني خيار السلام العربي، وإنشاء الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ 5 يونيو/حزيران 1967.

وشارك أيضًا المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، الذي تحدث عن المخاوف التي منعته من التعبير عنها خلال فترة خدمته قبل أن يتخلى عنه الوزير اليميني المتطرف بن غفير. هذا المفتش، المتهم بالتواطؤ مع وزيره ضد المتظاهرين وضد المواطنين الفلسطينيين، تحدث عن ضرورة استقلال الشرطة، ومنع إخضاعها لنزوات الوزير، مؤكدًا على أهمية صون حريات المواطنين. ومع ذلك، تجاهل أنه داس على هذه القيم الرفيعة عندما خدم لمدة سنتين تحت قيادة الوزير بن غفير.

وفي سياق قضية عدم تحرير المخطوفين الإسرائيليين، دار نقاش مستفيض بين المشاركين في الندوة حول ما إذا كانت دولة إسرائيل قد نكثت "الاتفاق الضمني بينها وبين مواطنيها". ووفقًا لهذا النقاش، فإن إسرائيل تعهدت صراحة لمواطنيها بإنقاذهم من أي مأزق يتعرضون له أثناء تقديم أرواحهم فداءً للدفاع عن دولتهم. وحسب هذا المنظور، فإن إسرائيل قد نقضت هذا التعهد، مما يحرر المواطنين من التزامهم تجاه الدولة، ويمنحهم الحق في عدم الخدمة في جيش دولتهم. ويتحمل رئيس الحكومة الإسرائيلية المسؤولية المباشرة عن هذا النكث، حيث فضل مصالحه الشخصية الضيقة على مصلحة المواطنين، وخاصة المخطوفين.

وفي هذا الملف الشائك، برزت نقطة نقاش محتدمة تزامنت مع قرار المحكمة العليا بوجوب تجنيد اليهود الحريديم، ومشاركتهم في تحمل الأعباء الوطنية أسوة بباقي اليهود. تشكل هذه القضية محورًا أساسيًا للخلاف داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يرفض الحريديم التخلي عن أسلوب حياتهم الديني الموروث، ويعارضون الانخراط في مؤسسات الدولة العلمانية. وقد رفع بعضهم شعارات مدوية: "نموت ولا نخدم في الجيش" أو "نرحل ولا نخدم"، ويؤكد المراقبون أن عدم التوصل إلى حل يرضي القيادات الدينية والسياسية للحريديم قد يؤدي إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو، على غرار العديد من القضايا الأكثر حساسية التي لم تفلح في ذلك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة